منظومة المرأة الكردستانية: نؤمن أن مقاومة المرأة تؤدي إلى التحرير

تزامنا مع قدوم يوم المرأة العالمي المصادف للثامن من اذار اصدرت منظومة المرأة الكردستانية بيانا دعت فيه كافة النساء إلى تصعيد النضال والعمل على نيل حريتهن

وجاء في نص البيان:

“نحَيّيكنّ ونحتضنكنّ بمودة، بكل عزمنا الذي لا يتزعزع لأجل النضال الدؤوب في سبيل الحياة الحرة، من سفوحِ جبال كردستان الشاهقة، من البقعة الجغرافية التي نُثِرَت فيها بذورُ الحياة التشاركية، ونُسِجَت فيها أُولى خيوط المجتمعية بريادة المرأة قبل آلاف السنين. تحياتنا القلبية إلى كل امرأة تقاوِم وتناضل وتُعلي من صوتِها ضد الاستغلال والاحتلال والدمار والاستعباد والهيمنة الذكورية في كافة أنحاء العالم. وباستقبالنا لليوم العالمي للمرأة في هذا العام، فإن ذكرى كل امرأة ناضلت في سبيل الحرية والمساواة، وكافحت طيلة تاريخ النظام البطرياركي السائد منذ خمسة آلاف سنة ضد التمييز الطبقي والإقصاء والتهميش والاستغلال والاستعباد والإنكار، تُعَدُّ أهمَّ مرجعيةٍ رئيسية لنا في مقاومتنا الراهنة. فعلى الرغم من كل مساعي النظام المهيمن في اجتثاث تاريخنا وذاكرتنا، إلا إننا ندرك يقيناً أننا، نحن النساء، أصحابُ مقاومةٍ شاقةٍ هي الأكثر عراقةً وجذريةً وطولاً في تاريخ البشرية. وبمناسبة يوم المرأة العالمي، نستذكر بامتنان وإجلال كلَّ النساء الحكيمات والمناضلات، اللواتي ناضلن بلا هوادة وضحَّين بأرواحهن بتصديهنّ للنظام البطرياركي السلطوي الجنسوي المعادي للمرأة.

نستذكر بحنينٍ وحبٍّ عشراتِ الآلاف من المناضلات الشهيدات والطليعيات في نضال حركة حرية المرأة الكردستانية، مثل: سكينة جانسيز، وزكية آلكان، وغولناز قره تاش، وزينب كناجي، وسما يوجه، وفيان سوران، وشيرين ألامهولي، وشيلان كوباني، وآرين ميركان وبارين وغيرهن. كما نستذكر كل النساء اللواتي ترَكن بصماتهن على النضال العالمي لحرية المرأة، مثل: روزا لوكسمبورغ، وكلارا زيتكين، وهايدي سانتا ماريا، وكيتور راني، وشادية أبو غزالة، ونوانيروا، وماري جونز، ودرية شفيق، وماري بيليريان، ولويز ميشيل وغيرهن. ونستذكر بصورة خاصة النساء الكادحات، اللواتي ناضلن وقضَين لأجل الكدح والمساواة، واللواتي يرجع إليهنّ الفضل في إعلان يوم الثامن من آذار يوماً عالمياً للمرأة الكادحة، ونحيّي كل السائرات على دربهن. فذكراهنّ باتت شمعة تضيء دربنا، وتمزق الظلمات، وتنير عقولنا وأفئدتنا.

النساء العزيزات

إننا نمر بمرحلة زمنيةٍ تتجلى فيها ثنائياتُ “النور والظلام” و”الجمال والقبح” و”العدل والظلم” و”الحرية والعبودية” بأكثر صورها وضوحاً في إصرار المرأة على تمكين الحرية مقابل الاستغلال المفروض عليها أكثر من غيرها. إلى جانب ذلك، ما من قرنٍ مساعِدٍ على تحقيق حرية المرأة، بقدرِ ما هو عليه القرن الحادي والعشرون. أي إننا نعيش في عصرٍ هو الأقوى على صعيدِ الطاقات الكامنة والديناميات المتعلقة بثورة المرأة. فعلى الرغم من كل ألاعيبِ وهجماتِ النظام المهيمن بهدف طمسِ هذه الحقيقة، إلا إنه علينا، نحن النساء، أن نحدد مقارباتنا ونتشبث بنضالنا بناءً على الإدارك الجيد لهذه الحقيقة. ذلك أنه، وبالإضافة إلى إمكانياتِ وظروفِ مضاعفة مكتسباتنا، فإن النظام البطرياركي السلطوي يكَثِّفُ من هجماته في كل مكان، بغية عرقلة ذلك.

إن هذا النظام السلطوي المضاد للمجتمع، والمعمّر منذ خمسة آلاف سنة، يحافظ على وجوده بالتضخيم والإكثار المستمر للاستغلال، نظراً لاعتماده على الربح. والحروب الناشبة في كل أرجاء العالم، هي على علاقةٍ مباشرة بهذه الحقيقة. سيما وأننا نشهد حرباً عالمية ثالثة بدأت في مطلع القرن الحادي والعشرين بالتدخل في أفغانستان والعراق، وتكاثفت في راهننا بالتدخل في سوريا والعراق وكردستان. والهدف الرئيسي لهذه الحرب هو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يتناسب مع مصالح القوى العالمية السلطوية.

وبنفس المنوال، فإن النزاعات المسلحة والحروب المستمرة في القارة الأفريقية أيضاً، تجري ارتباطاً بجشع قوى الحداثة الرأسمالية والإمبريالية في المزيد من الربح. ولا يؤدي هذا الجشع إلى الحروب فحسب، بل وينهب طبيعتنا ويدمرها أيضاً. إذ يتم القضاء على الغابات الموجودة منذ آلاف السنين في أمريكا اللاتينية وآسيا الشرقية، ويتم تسميم الأنهار في الوقت الذي تزداد فيه مخاطر التصحر والجفاف، وتسليع واستغلال الهواء في القرى. كل هذا ليس سوى أحد أبعاد الإبادة الاقتصادية المروعة، التي تطَبَّق في سبيل هَوَس الربح. إنهم بذلك يكتمون أنفاسنا، ويقضون على عاداتنا وهوياتنا الثقافية وأنظمتنا الاجتماعية المعمّرة آلاف السنين. إننا وجهاً لوجه أمام هجماتٍ تصل حد الإبادة في كافة مناحي الحياة، وتهدف إلى نسفِ ذاكرتنا، إدراكاً منها أنه لا مستقبل لمَن لا ذاكرة له. وبذلك يفرضون علينا الاستسلام، ويَقتلون مَن هو عصيٌّ على الاستسلام. إن العنف الذكوري في راهننا يستهدف حياة المرأة أكثر من كل الحروب والأمراض الأخرى.

لكن الكثير من النساء يأخذن أماكنهن اليوم في صفوف المقاومة أكثر من أي وقت مضى، ويناضلن في سبيل الحرية والإرادة الحرة والمساواة، ويَقُلن بصوتٍ جَهورٍ “كفى” للنظام البطرياركي الاستغلالي. أي أن المرأة بدأت بإعلاء صوتِها أكثر فأكثر ضد شتى أشكال الاستغلال والاحتلال والنهب والسلب والإبادة. إن المرأة تقاوم، وتتضامن وتتشارك مع بنات جنسها، وتناضل وتنظم صفوفها، وتتمرد بالملايين في الشوارع والساحات، وفي الجبال والسهول، بعزيمةٍ لا تلين، وبإصرار لا يتزعزع. وتقول: “سنستردُّ حريتنا مهما كلف الثمن، وسنُنهي نظام الاستغلال هذا، وسنحطم كل القيود، ولن نكون خانعات”. إننا باسم حركة حرية المرأة الكردستانية، نحيّي في الصميم وبالعنفوان الثوري كل المقاومات النسائية التي تتصدى للنظام الذكوري الاستغلالي المهيمن.

عليكنّ أن تَعلَمن أن صوت حرية المرأة، الذي يعلو في كل مكان من العالم، يدوّي صداه في جبال وسهول كردستان، تماماً مثلما أن نضال الحرية الذي نخوضه في كردستان ضد أكثر تعابير الهيمنة الذكوريةِ فظاظةً وفاشيةً، يمدّ مقاومتكنّ بالقوةِ والإلهام. فكلما دوَّت أصواتنا الجَهورة ضد السلطات الذكورية، كلما اهتزت أركان النظام البطرياركي المهيمن، وتصدَّعت الأرضية التي تأسس عليها منذ خمسة آلاف عام. وكلما ازدادت تصدعاته، ازداد خوفاً وذعراً. فليتعاظَم ذعرُه! ذلك أننا عازمات تماماً على تحويلِ عصرنا إلى عصر حرية المرأة، ونضالاتنا تتعاظم وتتوطد وتزداد تأثيراً مع مرور الأيام. ليتوطد خوفه، لأننا ننسج مستقبلنا الحر الواعد منذ الآن وفي كل مكان، ولأننا سنؤسس الحياة الحرة في كل شبرٍ من هذه الأراضي التي أشرقت منها الشمس على البشرية!

صديقاتنا العزيزات

ثمة نضالات تُخاضُ في كافة أرجاء العالم، فتثمر منذ  الآن عن نتائج مهمة، وتساهم في توطيد وعي المرأة، وتُزيدُ من معنوياتنا، وتمدنا بالقوة، وترسخ الذعر والخوف في النظام الذكوري السلطوي. إننا إذ نحيّي النضال النسائي الجماهيري الذي ظهر في أمريكا اللاتينية تحت شعار “ني أونا مينوس”، أي “ولا إحداهن أقل”، احتجاجاً على إبادة وقتل المرأة. فجنايات المرأة ليست حوادث منفردة، بل تتأتى من الجنسوية الاجتماعية المعادية للمرأة. لذا، فإننا نؤمن بضرورة النضال المؤثر ضد الذهنية الذكورية، كشرط أساسي للوقوف في وجه إبادة وقتل المرأة. فإلى جانب أهمية التدابير القانونية، إلا إنها لن تلعب دوراً مؤثراً، إلا في حالِ كانت جزءاً من نضالٍ متكامل.

ونبلِّغ خالص مودتنا إلى شقيقاتنا صاحبات الشال الأخضر في الأرجنتين. فكل أنواع الاحتلال والاستغلال (بدءاً من احتلال الأرض وحتى استغلال الكدح)، قد طُبِّقَت أولاً عبر جسد المرأة. إن المرأة هي أول مستعمَرة في التاريخ. لذا، فالحصانةُ على جسد المرأة، وحماية خصوصياتها، والدفاع عن إرادتها، يشكّل ساحة أساسية للنضال. ومن عظيم الأهمية أن نخوض هذا النضال ونحارب الذهنية التي تَستَعمِر المرأة بنحو متكامل، في سبيل نيل الحقوق القانونية للمرأة.

إن صديقاتنا في حركة “زاباتيستا” في أعماق غابات تشياباس، يتصدَّين لهجماتِ الدولة المكسيكية وقوى الرأسمالية العالمية في آنٍ معاً من ناحية، ويؤسسن من الناحيةِ الأخرى نظامهنّ التشاركي شبه المستقل. لكنهن لم يستطِعن أن يَعقدن مُلتقاهن الثاني للنساء المناضلات لهذا العام، بسبب تعرضهن للهجمات الكثيفة المتواصلة. إننا نودّ أن نقول لهن: “أيتها الرفيقات، اعلَمن يقيناً أن الشرارة التي تُشعِلنَها هناك، إنما تضيء في كردستان أيضاً، تماماً مثلما أن النار التي نوقدُها نحن هنا، تُدفئُ قلوبكنّ هناك. إن نضالنا واحد، ومقاومتنا واحدة، وشعوبنا شقيقة، بدءاً من جبال زاغروس وحتى جبال سييرا مادري، ومن نهر الفرات وحتى نهر أوسوماسينتا. إننا معكنّ في مقاومتكنّ ضد جيوش الاحتلال، وإيماننا مطلقٌ بأنكنّ ستنتصرن في هذه المقاومة. نبغلكن أحر التحيات الأخوية والرفاقية، ونحتضنكنّ بكل الحب والمودة”.

نحيّي بفائق التقدير مقاومة النساء الجريئات المتصاعدة، بدءاً من جبل دماوند وحتى جبال هندوكوش، ومن غزة إلى انتفاضات ميدان التحرير ضد التطرف الإسلاموي. ونُعلنُ أننا نتضامن مع النساء المناضلات في إيران، واللواتي يتصدَّين منذ أربعين سنة لأكثر أشكال الذهنية الذكورية فظاظةً، ولم يستسلمن، ولم يتراجعن عن المطالبة بحرياتهن، على الرغم من كل المخاطر والتهديدات. كما إننا في صفِّ النساء الجريئات في أفغانستان، واللواتي ينظّمن المقاومة الراديكالية ضد التدخلات الإمبريالية ومرتزقتها الحربيين، وضد الذهنية الرجعية التي لا ترى المرأة ذاتاً فاعلة. ونساند رفيقاتنا الفلسطينيات، اللواتي يتكفَّلن ريادةَ نضالِ تحريرِ الأرض من الاحتلال، واللواتي يشترطن أن يَكون السلامُ مشرّفاً وعادلاً في حال حصوله. ونبلّغ تحياتنا الثورية إلى النساء العربيات والسريانيات والإيزيديات، اللواتي يخُضن ريادةَ التصدي لداعش وأمثاله، واللواتي أَظهَرن لبناتِ جنسهنّ مدى الضرورة العاجلة والماسّة للدفاع الذاتي بالنسبة للمرأة.

إن الثورة النسائية الثانية في الشرق الأوسط حقيقة مقدسة قائمة، ونحن جميعاً جزءٌ منها. إذ سنمزق الظلمات المفروضة علينا جميعاً، وسنجعل أراضينا هذه موطناً للإلهةِ الأمّ مجدداً. إن صوتَ ثورة المرأة يدوّي منذ الآن، وينتشر من روجافا إلى كافة أرجاء الشرق الأوسط. وفي هذه الأيام، التي يُهزَم فيها داعش على يد المرأة الريادية، نودّ لفت الأنظار ثانيةً إلى المقاومة التي ما تزال مستمرةً في عفرين، التي احتلّها الجيش التركي ومرتزقته الإسلامويون. فمدينةُ عفرين بالنسبة لنا هي مدينةُ المرأة. ولن نتركها في يد المرتزقة أعداء المرأة. فكيفما أننا قلنا في العام الماضي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة: “لندافع عن ثورة المرأة في عفرين”، فإننا في هذا العام أيضاً نناشد شقيقاتنا في كل العالم لإعلاء أصواتهن المنادية بحرية عفرين وضد الاحتلال التركي. ونجدد عهدنا بالاستمرار في نضالنا إلى أن نحرر آخِرَ امرأة وطفل إيزيدي شنكالي (سنجاريّ) من يد داعش، وأننا سنحاسب المتسببين بمأساة المرأة الشنكالية، التي تمثّل ضميرَ عصرنا. إن الدفاع الذاتي وشبه الاستقلال الديمقراطي، اللذَين يتأسسان بريادة المرأة، سيَكونان أقوى جواب على الفرمان الذي حلّ بشنكال، ويُعَدّان السبيل الوحيد للحيلولة دون حصولِ فرمانات جديدة.

نحيّي المقاومة المتصاعدة بين جدران السجون، بريادة عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف من المعتَقَلات السياسيات، الأسيرات في سجون الدولة التركية، لالشيء سوى لأنهنّ خضن نضال الحرية. ونقول لهن: “أنتنّ طليعيات حوَّلتن المعتَقَل إلى ساحةِ مقاومة، ولم تستسلمن رغم تعرضكن لكل أنواع العزلة والأحكام والتعذيب النفسي والجسدي. اعلَمن يقيناً أنّ تلك الجدران لن تُفَرّقنا بعضنا عن بعض، مهما غلظَت أو ارتفعَت”. وبهذه المناسبة، نبلّغ تحياتنا الخاصة إلى المعتَقَلات السياسيات المُضرِبات عن الطعام احتجاجاً على العزلة التي تفرضها عليهن الدولة التركية، ونناشد جميع نساء العالم أن يُنصِتن إلى أصوات الرفيقات في السجون، وأن يتَبَنَّين بقوة إضرابهن المفتوح عن الطعام.

إن إضراب النساء، الذي ابتدأ في بعض البلدان خلال السنوات الأخيرة، سوف يشمل مساحةً جغرافيةً أوسع بكثير في يوم المرأة العالمي لهذا العام. وبهذه المناسبة نحيّي كل النساء اللواتي سيشاركن في الإضراب لهذا العام في عشرات المدن الألمانية خاصة. علينا أن ندرك جيداً أننا كنساء قادراتٌ على إيقاف الحياة إن أردنا، شرطَ أن نَكون منظَّمات! إن طموحَ كل رفيقاتنا في إضراب هذا العام (والذي سيُنَفَّذ في العديد من البلدان والأماكن وعلى رأسها ألمانيا)، هو تمكين التضامن، وتحويل 8 آذار إلى مناسبة لتشكيل التحالفات المستدامة وللتشبيك بين مختلف المجموعات النسائية المحلية، التي ما تزال تعاني من التشتت. إن الهدف الأساسي والحاجةَ الماسّة التي يفرضها علينا عصرُنا، هو ألاّ نحصرَ تضامنَنا في يومٍ واحد من العام، بل أن نوطد تحالفاتنا، وأن نتشارك نضالاتنا.

نبلّغ تحياتنا إلى النساء اللواتي فضحن الجنسوية الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من مناحي الحياة بقولهنّ “انتهى زمانها”، واللواتي فضحن ثقافة الاعتداء والاغتصاب عبر حملتهن “# مي تو”، وأعلَنّ ترامب عدواً للمرأة، وصرّحن في مسيرتهن إلى واشنطن أنهن كنساء لا يعترفن به ممثلاً لهن. كما نحتضن بعنفوان النساءَ السُّود المقاوِمات، اللواتي يناضلن ضد التمييز والعنصرية وعنف الدولة. ونقول لهن: “كلنا أمل أن تُحَوِّلن مواقفكنّ العظيمة هذه إلى تنظيمٍ راسخ، وأن تُعَظّمن من إرثكنّ النضالي المستمر طيلة قرنَين من الزمن”.

النساء العزيزات

مثلما تعلَم أغلبيتكن، فإننا شعباً وحركةً، نخوض مقاومةً عاتيةً ضد الفاشية التركية. ونساؤنا في طليعةِ حملةِ المقاومةِ الحالية، التي تجري تحت شعار “لنرفع العزلة، ولنحطّم الفاشية، ولنَعِشْ أحراراً مع القائد آبو APO”. وصديقتنا ليلى غوفَن، الرئيسة المشتركة لـ”مؤتمر المجتمع الديمقراطي” والبرلمانية عن “حزب الشعوب الديمقراطي” في البرلمان التركي، قد بدأت إضراباً مفتوحاً عن الطعام من معتَقَلِها في 8 تشرين الثاني 2018. وقد سار على خطاها تضامناً معها المئاتُ من المعتقلين الكرد السياسيين في السجون التركية، ومن بينهم عشرات المعتَقَلات السياسيات. والمطلب الوحيد للإضراب المفتوح عن الطعام هذا، هو فك العزلة المطلقة عن قائدنا عبدالله أوجلان، الأسير منذ عشرين عاماً في سجن إمرالي وسط بحر مرمرة. ذلك أن قائدنا أوجلان، الذي اختُطِفَ من كينيا بعمليةِ قرصنةٍ دوليةٍ شنيعة برعايةِ حلف الناتو، وسُلِّمَ إلى الدولةِ التركية في 15 شباط 1999، يُمنَعُ عليه اللقاء مع محاميه منذ تموز 2011، ومع أفراد عائلته منذ 5 نيسان 2015، رغم أن هذا من أبسط حقوقه الطبيعية. وهكذا فُرِضَت عليه العزلة المطلقة. أي أنه يتم الإخلال بحقه الوحيد المسموح به قانونياً، ويُعتَقَل في حجرةٍ انفرادية. ثمة قوانين خاصة تُطَبَّقُ في سجنِ جزيرة إمرالي. فالدولة التركية تُخِلُّ بقوانينها هي، وتُطبِّق نظاماً خاصاً في ذاك السجن، الذي لا تسري عليه معايير حقوق الإنسان. وكل المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية والمسؤولة في هذا السياق، إنما توافق ضمناً على نظامِ التعذيب والأَسْرِ هذا بصمتها، وعلى رأسها “لجنة مناهضة التعذيب” التي تتبع مجلس أوروبا، الذي تُعَدُّ الدولةُ التركيةُ عضواً فيه.

إن عبدالله أوجلان ليس كأي معتَقَل. بل هو قائدُ شعبٍ محظورٌ حتى اسمُه. إذ أسس في أعوام السبعينيات من القرن العشرين “حزب العمال الكردستاني” مع مجموعة من الشباب والطلاب الجامعيين الطليعيين، ليؤسس اليوم حركةً شعبيةً تحتضن الملايين. ومستوى التنظيم الأيديولوجي والسياسي والدفاعي والاجتماعي للمرأة الكردية، والذي يستقطب الإلهام والإعجاب الكبيرَين اليوم، إنما هو ثمرةٌ مباشرةٌ لجهود قائد الشعب الكردي الكردي عبدالله أوجلان. والمرافعاتُ التي دوَّنَها في ظروف العزلة المشددة، إنما يتم البحث فيها اليوم بحماسٍ وعنفوان من قِبَل الحركات والتنظيمات الشعبية والنسائية المحلية والأحزاب اليسارية والاشتراكية المناهضة للنظام في الجهات الأربع من المعمورة. ويُتَّخَذ من فلسفة الحرية ومن المصطلحات والنظريات المعنية بالديمقراطية التي طرحها، نموذجاً يُحتَذى به. إن العزلة المفروضة على شخص قائدنا أوجلان، هي تجسيدٌ للعزلة المفروضة على الحل الديمقراطي للقضية الكردية، وعلى أمل السلام والعيش المشترك بين الشعوب، وعلى حرية المرأة. وبسببِ ذلك نجد أن موجة الفاشية تتصاعد في الدولة التركية، وتتجذر الحروب والاشتباكات، وتتأجج النزعة القوموية المتطرفة، وتزداد العداوات الاجتماعية، وتتفاقم الأزمة الاقتصادية. والمرأة هي أكثرُ مَن يتأثر بكل ذلك.

إن العزلة تُفرَض علينا نحن النساء، ممثَّلةً بشخص عبدالله أوجلان، الذي حلّل الذكورة والرجولة، ووضع نضال حرية المرأة في مركز الثورة الاجتماعية بدرجةٍ لم يجرؤ عليها زعيمُ أي ثورة أخرى من قبل. ولهذا بالتحديد نقول: “حرية أوجلان هي حريتنا”. ولأجل ذلك نصعِّد النشاطات ونتكفل بريادة المقاومة. فإذا صعَّدنا المقاومة، فستُرفَع العزلة، وستُهزَم الفاشية، وتتحرر كردستان. وأملنا منكنّ هو أن تَكُنّ إلى جانبنا في نضالنا هذا، وأن تتضامنّ معنا، وتضمّنّ أصواتكنّ إلى أصواتنا، وأن تتصدين للفاشية التركية معنا!

علينا بالاتحاد لأجل وقفِ الفاشية التي يمثلها اليوم نظام أردوغان. فالفاشية تستهدف المرأة ومكتسباتها بالأكثر، وتفرض عليها الأدوار التقليدية. ونتلمس ذلك بوضوح في تركيا، مثلما بالإمكان تلَمُّسه في شخص “بولسونارو” البرازيل، و”دوتيرتي” الفيليبين، و”بوتين” روسيا، و”ترامب” الولايات المتحدة الأمريكية. فالخاصية الأساسية للفاشية هي عداؤها للمرأة. ولذلك تخاف من مقاومة المرأة المنظَّمة بالأكثر. لذا، فإننا باسمِ حركة حرية المرأة الكردستانية نقول: لنوحّد ونتشارك نضالاتنا ضد السلطات الفاشية الشعبوية، التي تشكّل خطراً رئيسياً على حياتنا جميعاً. لقد حان الوقت لنسجِ خيوطِ وتأسيسِ “جبهة المقاومة النسائية ضد الفاشية”! إنه زمان التكاتف والتضامن لردعِ الفاشية! يمكننا حقاً فعل ذلك. فباعتماد النساء في شمال كردستان وتركيا على روح المقاومة هذه في تصعيد النضال المشترك ضد الفاشية، فإن فاشيةَ أردوغان-باهتشلي ستتحظم حتماً. إننا “معاً أقوى”، على حد تعبير شقيقاتنا التركيات! لن نرضخ للفاشية، ولن نسمح بها!

الصديقات العزيزات

إننا نشهد في كل مكان صعودَ وعي المرأة ومقاومتها وأنشطتها المندِّدة والمعارِضة والمناهِضة لثقافة الاعتداء والاغتصاب، وللتمييز والاستغلال، وللاحتلال واللامساواة، وللإبادة والعنف والتمييز الجنسي. إذ تُصَعّد المرأة مطالبها، وتصرخ بصوتٍ جَهورٍ معلنةً عن شكل الحياة التي تريدها. لذا، فقد وصلنا آفاقاً شاسعة جداً من الحراك النسائي. وأصبحنا قادرات على النزول بمئات الآلاف، بل بالملايين إلى الشارع خلال فترة وجيزة. وأعدادنا تتزايد مع كل يوم. إننا غنيات بتعدديتنا ودينامياتنا، قويات بعزمنا وإرادتنا!

المهم الآن هو تنظيم نضالنا أكثر، لإبراز قدرتنا على تمكين التغيير. علينا أن نعلم يقيناً أن المبدأ الأول في نضال حرية المرأة هو تنظيم الصفوف. فمن دون ذلك لن تَكون الحرية. كما هناك حاجة ماسّة إلى تحويل الاحتجاجات إلى تنظيمات مستدامة. فالظروف الموضوعية ووقفة النساء في هذا الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، مناسِبةٌ للنضال من أجل تأسيس الحياة الحرة، وليس للاقتصار على الرفض فقط. أي أنه بات علينا الارتقاء بنضالنا إلى مستوى أعلى. علينا تنظيم مناهضاتنا، لخوضِ نضال متكامل ومشترك ضد النظام البطرياركي الديكتاتوري السلطوي واللاديمقراطي. ففي حال بقاء نضالاتنا مشتتة وغير متكاملة، فلن نستطيع التأثير كفايةً في تمكين التغيير المأمول. بَيدَ أنه حان الوقت تماماً لإنجازِ ثورة المرأة، ولتحويل القرن الحادي والعشرين إلى عصر حرية المرأة. وظروف ذلك نضجَت أكثر من أي وقت مضى.

باسم “حركة حرية المرأة الكردستانية”، فإننا نقترح تأسيس “الكونفدرالية النسائية العالمية”، بغرض مشاطرة نضالاتنا النسائية على الصعيد العالمي. إذ يمكن لـ”الكونفدرالية النسائية العالمية” أن ترسخ التشاركية والتشاطر والحفاظ على الخصوصية، بهدف توطيد وحدةِ النضال النسائي عالمياً. علينا كحركات ومنظمات نسائية، أن نتخطى التشتت والانقطاع الذي بيننا، وأن نطوِّر المواقف المشتركة، وأن نحدد التكتيكات والاستراتيجية النضالية المشتركة، وأن نتشارك في النشاطات العملية، وأن نؤسس الآليات المشتركة. وهذا ما يضع أمامنا الحاجة إلى النقاش والتداول المشترك حول رؤيةِ ومبادئ ومعايير التنظيم المشترك كضرورة عاجلة. وفي السياق، فإن “الميثاق الاجتماعي”، الذي قمنا كحركة بإعداده في عام 2002، والذي نعيد النظر فيه حالياً، وسنتشاطره معكن قريباً؛ قد يطرح إطاراً رئيسياً في هذا المضمار.

النساء المقاوِمات

إن روح الزمان تأمرنا بتصعيد نضال الحرية. فمثلما أنه من الممكن تحويل قرننا إلى عصر الحرية، فإن ذلك ضرورة تاريخية أيضاً. فلنتّحد إذاً. ولننتفض كنساء العالم أجمعين. إذ إننا نؤمن أن مقاومة المرأة تؤدي إلى التحرير. ما دام كذلك، فلنلتف حول نار المقاومة، ولنتكاتف ونَدبكَ رقصة الحرية، ولنؤجج نار الثورة. لنجعل كل يومٍ مثل يوم الثامن من آذار، ولنُضفِ الاستدامةَ على مقاومتنا ضد الاستعمار والفاشية والاحتلال والذهنية الذكورية. حينها فقط ستتغير حياتنا، وسيزداد العالم جمالاً. وحينها فقط سننجز الثورة. فلنُعَظّم معاً ثورةَ المرأة، ولننسج مستقبلنا معا”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى